مقدمة:
تمثل القصور معالم مميزة للجنوب الشرقي التونسي سواء من حيث عمارتها أو من حيث وظائفها إذ استلهمت خصائصها من مؤثرات حضارية متنوعة، متوسطية و صحراوية، بربرية و عربية. و هي تعتلي قمم الجبال المنعزلة كما تنتشر في الهضاب و السهول المنبسطة. استغلها السكان المستقرون كما استغلتها القبائل البدوية المتنقلة. إنها القصور التي تثير الإعجاب و الدهشة لكونها بنايات صمدت أمام تحديات الزمن و هجمات الأعداء و ما زالت تمثل شواهد حية على زمن الجوع و الخوف و كذلك رموزا لتشبث الإنسان بالأرض رغم قسوة المناخ و جدب الطبيعة. و هي خير شاهد على الروابط الوثيقة بين الإنسان و بيئته في هذه المناطق القاحلة و على حرص الإنسان على الاستفادة القصوى من الموارد المحدودة و التأقلم مع المخاطر.
الجانب المعماري للقصور:
اعتمدت القصور في هندستها على عمليات التأثر و التأثير عبر نقل الأشكال الهندسية المعمارية السائدة في المدن المغاربية : السقيفة، النهج، الزنقة و أخرى مستوحاة من المواقع و المدن الأثرية القديمة و منها الرومانية: الطوابق، الدهاليز، المعاصر. و الإسلامية من خلال إضافة المساجد كمنشآت حضارية ثقافية هامة، أخذت مكانها تدريجيا حول فضاءات القصور.
فالقصر يضم السقيفة و الصحن و الساحة و الطوابق و غيرها من الأقسام لكن تلك العناصر لا تحضر في كل القصور على نفس الشاكلة. فهذه العناصر أتم و أشمل و أكمل في القصور الجبلية منها في القصور السهلية و خاصة تلك التي أنشئت حول المراعي و مضاعن الفلاحة.
أنواع القصور:
يمكن تصنيف القصور حسب الموقع أو حسب وظيفتها:
- من ناحية الموقع توجد قصور جبلية تعتبر من أقدم القصور و تعرف بـ ” القصر البلد” و أخرى سهلية حديثة نسبيا
- من الناحية الوظيفية يوجد صنفان من القصور:
*قصور تجمع بين ثلاث وظائف: السكن و الخزن و الحماية و تسمى القصر البلد
*قصور تقتصر وظيفتها على الخزن و التئام الميعاد تعرف بقصور السفوح و السهول
القصور الجبلية:
توجد في أعالي الجبال و المرتفعات، و قد أنشئت لأسباب أمنية بالأساس و تعرف في أغلبها بتوطن القبائل البربرية. و قد استخدمت للسكن في بعض المراحل إلى جانب استخدامها للخزن في مراحل أخرى، و لكنها مثلت على الدوام مجالا شبه حضري مستقر يتم فيه تبادل المنتوجات بين المجموعات المحلية و جيرانها نذكر على سبيل المثال القصور التالية:
- قصر قرماسة
- قصر الدويرات
- قصر شنني
- قصر بني بركة
- قصر غمراسن – قصر بوغالي
القصور السهلية:
تعتبر امتدادا للقصور الجبلية تنتشر بولاية تطاوين في سهل الجفارة و حول نقاط المياه و سهول الحراثة و المراعي كما توجد في معتمديتي الصمار و البئر الأحمر. هذا النوع من القصور استخدم للخزن أساسا إلى جانب تقديم الاحتيجات الفلاحية المحلية و خاصة منها الحرفية. لقد ارتبط انتشار القصور السهلية خلال القرنين 18 و 19 بانتشار الأمن في المناطق السهلية و على السواحل حيث توقفت عمليات الغزو، كما ارتبط بالنمو السكاني السريع و انتشار الفلاحة و توسع الطلب على تربية الماشية. فقربت المجموعات السكانية التي أعادت انتشارها في المنطقة قصورها الجديدة حذو مواقعها في سهل الجفارة و على مشارف مراعي الوعرة، من هذه القصور نذكر:
- قصر أولاد سلطان
- قصر أولاد دباب
- قصر الحدادة
التقسيم الداخلي للقصور:
تحمل القصور بين جوانبها سجل التقسيم العقاري للمنطقة بين القبائل المتجاورة ، إذ يخضع تقسيم الغرف داخل القصر و الفضاءات التابعة له : معاصر زيتون، فساقي، مساجد و ” زوايا” إلى موازين القوى الخارجية من حيث حجم القبيلة و نسبة امتلاكها للأراضي المحيطة به.
أما الغالبية من القصور فهي تحمل اسم القبيلة التي تنفرد بملكيتها للأراضي المحيطة مثل قصر أولاد دباب، قصر أولاد سلطان… و يمكن تلخيص هذه المسألة في أن القصور تعطي الإشارة الأولى للرسم العقاري القبلي بهذه الربوع. فالقصر يحاكي التقسيم العقاري المحيط بالقصر، و قد ورد في تراث الفرق الإباضية كتاب “القسمة و أصول الأرضين” للشيخ أبي العباس أحمد بن محمدبن بكر الفرسطائي النفوسي و هو مخطوط وقع نسخه في القرن 18 ( 1162 هـ) و ذلك في باب إنشاء القصر و بنيانه:” قلت: فقوم أرادوا أن يبنوا قصرا فيما بينهم خواص كانوا أو عامة و قد اشتركوا في الأرض التي أرادوا أن يبنوا فيها؟ قال يبنون حائط قصرهم على قدر ما لكل واحد منهم من الأرض، فيكون حائط السور بينهم على قدر سهامهم من الأرض، و كذلك إن بنوا فيه بيوتا على هذا الحال، و تكون على قدر سهامهم من الأرض، كذلك الغرف على هذا الحال مثل البيوت.”
من جهة أخرى حرصت القبائل و ” العروش” على بناء القصر بما يتناسب مع قوتها و مركزها بين القبائل. يتضح هذا من خلال اتساع الرقعة التي بني عليها القصر مثل قصر أولاد دباب، و إن تعذر ذلك لصعوبة التضاريس المحيطة فبالعلو إذ يمكن أن يبلغ القصر خمسة طوابق أو أكثر مثل قصر المرابطين.
فيما قامت بعض “العروش” الأخرى ببناء عدة قصور بأماكن مختلفة و لعل أقوى شاهد على ذلك “عرش” الزرقان من قبيلة أولاد عبد الحميد ( عرش الكراشوة، عرش الحميدية، عرش الزرقان، عرش العمارنة) و عرش الدغاغرة من قبيلة أولاد سليم ( عرش الدغاغرة، عرش أولاد دباب، عرش أولاد شهيدة، عرش الذهيبات) اللذان اعتمدا هذا الخيار. فبالنسبة للدغاغرة مثلا، اتخذوا لهم ستة قصور:
- قصر الدغاغرة بتطاوين
- قصر الدغاغرة أولاد عبد الله
- قصر بوزيري
- قصر بحير
- قصر المرة
- قصر الناموس
هذه القصور متواجدة على كامل المجال الممتد بين تطاوين و ذهيبة، و في ذلك دلالة على اتساع رقعة أراضيهم بالجبل و السهل على حد سواء.
الصناعات والحرف المرتبطة بالقصور:
على مدى تاريخها، حرص القائمون على القصور على صيانتها و تكليف من يقوم على حراستها، كما حرصوا على توفير الخدمات لروادها إذ وظفوا بعض الفضاءات داخل القصر أو على مقربة منه لعصر الزيتون و خصصوا بعض الغرف المنتشرة بداخله أو بجواره للحرف و الصناعات المختلفة من حدادة ( بالنسبة للأدوات الفلاحية و الأسلحة و جهاز الفارس و فرسه و بعض الأوانب من النحاس و القصدير و الحديد).
و نجارة ( خشب النخيل للأبواب، و خشب الزيتون لأواني الأكل و الهرس)، و فتل أو تحويل الأياف النباتية ( بالنسبة للمنتجات المتكونة خاصة من الحلفاء، السبط، سعف النخيل أو القصب لصناعة السلال و الحاويات و المفتولات المختلفة لجمع المحاصيل الزراعية أو تخزينها مثل الكمبوط و الرونيّة و الشّوامي أو الحبال و الحصير و السجاد بأنواعه) و صناعة الجلد و الفخار (جرار لخزن الزيت و الماء و آنية للطهي و الأكل)
و النسيج من صوف الأغنام و وبر الإبل و شعر الماعز ( الغرارة، الحمل، الفليج، المخلاة، الوسادة، الطريقة…)
*هذه النبذة عن القصور مأخوذة من مجلة الحياة الثافية العدد 212بتاريخ أفريل 2010 :
- محمد نجيب بوطالب: الأبعاد الحضارية لظاهرة القصور بالجنوب الشرقي، ص 11- ص 16
- كمال العروسي: القصور بالجنوب الشرقي التونسي بين التصنيف و التوظيف عبر العصور، ص 33 – ص 43
قائمة في القصور بولاية تطاوين